القران الكريمدينمفالاتمقالاتمنوعات
فضل سورة الرحمن
فضل سورة الرحمن
سورة الرحمن
سورة الرحمن سورة من سور المفصّل، وقد اختلَف أهل العلم في كون هذه السورة مكيّة أم مدنيّة، فقيل إنَّها مكية بحسب ما ورد عن عبد الله بن عباس، وقال به الحسن وعطاء ومقاتل والجمهور واستُثني منها آية واحدة وهي الآية التاسعة والعشرون التي قيلَ إنَّها مدنية، وروى عطية عن ابن عباس وابن مسعود أنَّها مدنية، وهي من سور المفصل، يبلغ عدد آياتها ثمانية وسبعين آية، وهي السورة الخامسة والخمسون في ترتيب سور المصحف؛ حيث تقع في الجزء السابع والعشرين، نزلتْ بعد سورة الرعد وبدأت باسم من أسماء الله الحسنى، قال تعالى في مطلعها: {الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ}،وهذا المقال سيسلِّط الضوء على فضل سورة الرحمن في الإسلام.
سورة الرحمن هي من السور التي تُعنى بالحديث عن أصول العقيدة الإسلامية، ولها نسَقٌ خاص يختلف عن باقي سور القُرآن الكريم، وقد بدأت السورة بذكر نعم الله على عباده التي لا تُحصى وعلى رأسها تعليم القُرآن، ثُم تبعها آيات تُبرهن نعم الله تعالى في الكون ومخلوقاته، وما يُميّز هذه السورة هو ذكر آلاء الله من خلال تكرار الآية: (فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَان) ، والتي تكرّرت إحدى وثلاثين مرة.
سبب تسمية سورة الرحمن
قبل الحديث عن فضل سورة الرحمن، إنَّ هذه السورة المباركة سُمِّيت بسورة الرحمن بحسب مطلعها، فقد قال تعالى في أولها: {الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ}،وشأنها في هذا شأن كثير من سور القرآن الكريم، كسورة الواقعة وسورة القارعة وسورة الحاقة، فهذه السور كلُّها سُمِّيت بأسماء الكلمات التي افتتحتْ بها، وقد جاءت بهذا الاسم في السنة النبوية المباركة، وبه سُمِّيت في كتب التفسير وفي المصاحف، وقيل أيضًا إنَّها سُمِّيت بسورة الرحمن على اعتبار أنّها جاءت على ذكر وصف الرحمن في كثير من آياتها، وقد سُمِّيت هذه السورة أيضًا "عروس القرآن الكريم"، ففي حديث ضعَّفه الألباني روى علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- إنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: "لكلِّ شيءٍ عروسٌ، وعروسُ القرآنِ الرحمنِ"،والله تعالى أعلم.
سبب نزول سورة الرحمن
قبل التّفصيل في فضل سورة الرحمن، لا بدَّ من الاطلاع على سبب نزول سورة الرحمن، وسورة الرحمن من السور القرآنية التي جاء فيها سبب نزول واضح، فقد نزلتْ -كما جاء عن السلف-؛ بسبب أقوال بعض المشركين، فلمَّا نزلَ قول الله تعالى في سورة الفرقان: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَٰنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَٰنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا}،فنزلتْ سورة الرحمن ردًّا على سؤالهم الوارد في الآية السابقة: {قَالُوا وَمَا الرَّحْمَٰنُ}،وجاء أيضًا في سبب نزول سورة الرحمن سبب آخر وهو قول المشركين أيضًا الوارد في قول الله تعالى في سورة النحل: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ}،فجاء الردُّ الإلهي في سورة الرحمن في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ}،وفيما يأتي فضل سورة الرحمن.
فضل سورة الرحمن
قبل التّفصيل في فضل سورة الرحمن، إنَّ الحديث عن فوائد سورة من سور القرآن الكريم يعني فضل هذه السورة وما جاء في حقها من أحاديث نبوية تظهر ميِّزات هذه السورة دون غيرها من سور القرآن الكريم، ولا بدَّ بداية من الإشارة إلى أنَّ القرآن الكريم كلُّه خير وبركة، وتلاوته فائدة وأجر وثواب من عند الله -سبحانه وتعالى-، وثواب تلاوة القرآن الكريم تشمل قراءة كلِّ القرآن، أي إذا قرأ المسلم أي حرف من القرآن الكريم تحقق له الأجر والثواب، روى عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنَّه قال: "من قرأ حرفًا من كتابِ اللهِ فله به حسنةٌ، و الحسنةُ بعشرِ أمثالِها، لا أقول الم حرفٌ ولكن: ألِفٌ حرفٌ، و لامٌ حرفٌ، وميمٌ حرفٌ"،[٩]وثواب تلاوة القرآن وفائدته تشمل من قرأ القرآن للاستشهاد أو الحفظ أو التلاوة أو غير ذلك، والله أعلم.
أمَّا فضل سورة الرحمن على وجه الخصوص فهي أولًا جزء من القرآن الكريم أي إنَّ تلاوتها تدخل في ثواب تلاوة القرآن الكريم الواردة في حديث عبد الله بن مسعود السابق، أمَّا في فضلها دون غيرها فقليل ذكر فوائد وفضائل سورة الرحمن في السنة النبوية الصحيحة، وقد وردتْ بعض الأحاديث النبوية عن فضل سورة الرحمن وفضائلها في بعض الأحاديث الحسنة والضعيفة، ومنه ما وراه الصحابي الجليل جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- يحن قال: "خرجَ رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ- على أَصحابِهِ، فقرأَ عليهم سورةَ الرَّحمنِ من أوَّلِها إلى آخرِها فسَكَتوا فقالَ: لقد قرأتُها على الجنِّ ليلةَ الجنِّ فَكانوا أحسَنَ مردودًا منكم، كنتُ كلَّما أتيتُ على قولِهِ: {فَبِأيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}، قالوا: لا بشَيءٍ من نِعَمِكَ ربَّنا نُكَذِّبُ، فلَكَ الحمدُ"،والله تعالى أعلم.
أسلوب التكرار في سورة الرحمن
التكرار أسلوب لغويّ من أساليب اللغة العربية التي وردتْ في القرآن الكريم في غير موضع واحد، وهو في اللغة من الكر ومعناه الرجوع، قال الجوهري في تعريف التكرار في اللغة: "كَرَّرْتُ الشيء تَكْرِيرًا وتَكْرارًا"، أمَّا تعريف التكرار في الاصطلاح فهو تكرار الكلمة أو تكرار الجملة أكثر من مرة في النص لتحقيق مجموعة من المعاني كالتوكيد والتعظيم والتهويل وما شابه ذلك، ومن أنواع التكرار الواردة في القرآن الكريم تكرار اللفظ والمعنى، والذي يكون موصولًا ومفصولًا، ومن التكرار المفصول قول الله تعالى في سورة الرحمن: {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}،[١٣]وقد تكررت هذه الآية في سورة الرحمن واحد وثلاثين مرَّة، أمَّا الفائدة من تكرار هذه الآية الكريمة، فقد قال ابن الجوزي: "أن ذلك التكرير لتقرير النِّعم وتأكيد التَّذكير بها".
ومن فوائد التكرار أيضًا ما جاء عن ابن قتيبة في قوله: "من مذاهب العرب التِّكرار للتَّوكيد والإفهام، كما أنّ من مذاهبهم الاختصار للتخفيف والإيجاز؛ لأنَّ افتنان المتكلِّم والخطيب في الفنون أحسن من اقتصاره في المقام على فنٍّ واحدٍ، يقول القائل منهم: واللهِ لا أفعله، ثم واللهِ لا أفعله، إذا أراد التوكيد وحسم الأطماع مِنْ أنْ يفعله، كما يقول: واللهِ أفعلُه، بإضمار "لا" إذا أراد الاختصار، ويقول القائل المستعجِل: اعْجَل اعْجَل، وللرامي: ارمِ ارمِ، ..."، والله تعالى أعلم.
سورة الرحمن مكيّة أم مدنيّة
سورة الرحمن من السُور التي اختُلف في تحديد كونها مكية أم مدنية، ولكن الرأي الأرجح يقول بأنّها مكيّة، ودليل ذلك أنّ عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قام في مكّة بقرائتها جهراً على مسامع قُريش، وقد علا صوته فيها حتّى ضربوه وأحدثوا أثراً في وجهه، وهذا دليل على أنّها نزلت قبل الهجرة لأن هذه الواقعة يشهد لها الكثير من الصحابة فجعل أهل العلم يُرجحون كونها مكيّة لا مدنيّة رغم وجود نُسخ من المُصحف الشريف التي تُصنفها على أنّها سورة مدنيّة.
سبب نزولها
إن عدد آيات سورة الرحمن ثمانٍ وسبعين آية، نزلت بعد سورة الرعد، وهي تقع في الجُزء السابع والعشرين في القُرآن الكريم، وعن سبب نزولها فهناك أكثر من قول إلا أن الرأي الأقرب للصواب يقول بأن سبب نزولها هو قول الصحابي أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه: "وددت أني كُنت خضراء من هذا الخضر تأتي عليّ بهيمة فتأكلني، وأني لم أُخلق"، وقد قال جملته هذه بعد أن كان أبو بكر جالساً يُفكر بيوم القيامة والجنة والنار وكيفيّة جمع الناس ليوم الحساب ورداً على قول أبي بكر، نزلت الآية الكريمة: (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) [الرحمن: 46].
مميزات سورة الرحمن
تميّزت سورة الرحمن عن غيرها من السور بعدد من الخصائص نذكر منها:
ابتدأت باسم الله "الرحمن" وهي السورة الوحيدة التي ابتدأت بأحد أسماء الله الحُسنى.
ذِكر نعم الله وآياته على سائر المخلوقات في هذا الكون.
خاطبت الإنس والجن ولم يسبق أن حدث ذلك في سورة أُخرى.
الحديث عن قدرة الله سبحانه وتعالى في تسيير الكون والسُفن الكبيرة، في زمن لم يكن قد وصل الإنسان فيه إلى التطوّر المشهود حالياً.
الحديث عن الجنة والنار، والتنوع في الآيات من خلال الترغيب في الجنة وذكر بعض ما فيها من نعيم، والترهيب من النار وعذابها.
تناسق كلماتها فمن يقرأها سيشعُر بجمال وإبداع لغتها وكلماتها.