التقمّص
أشارت الشعوب القديمة المختلفة إلى ظاهرة التقمص على أنها عملية انتقال الروح من جسد متوفى إلى جسد أخر حديث الولادة . و قالوا أن هذه الروح هي أزلية لا تموت و لا تتلاشى ، بل تنتقل عبر الأجيال المتتالية من كائن لآخر . أما المرحلة الأخيرة التي تنتهي إليها هذه الروح بعد رحلتها الطويلة عبر الزمن ، فيختلف تحديدها أو تعريفها عند الشعوب والديانات التي تعتقد بهذه الظاهرة .
و بما أننا نتناول هذه الظاهرة بالاعتماد على الحقائق العلمية الملموسة ، و ليس التعاليم الفلسفية و الدينية المختلفة ، سوف نتعرّف عليها من خلال الدراسات العلمية الحديثة بالإضافة إلى مظاهرها المختلفة التي قامت المراجع العلمية العصرية بتوثيقها .
سوف نعتمد على مظهرين مختلفين يشيران إلى هذه الحقيقة : الذاكرة الاسترجاعية التي يتم استنهاضها بواسطة التنويم المغناطيسي ، و الذاكرة العفوية التي تظهر بشكل تلقائي عند الشخص في مراحل حياته الأولى .
الذاكرة الاسترجاعية :
تتجسد الذاكرة الاسترجاعية أثناء النوم المغناطيسي ، يطلب فيها من النائم مغناطيسياً أن يعود إلى مراحل زمنية تسبق مرحلة طفولته ، إلى زمن ما قبل الولادة !. في أحيان كثيرة ، يبدأ النائم بالحديث عن حياة مختلفة سبقت حياته الحالية ! و يروي طريقة موته و كيف فارق حياته السابقة !.
الأسباب التي تدفعنا إلى اعتبار هذه العملية بمثابة دليل موثوق هو التالي :
ـ ساعدت عملية التنويم المغناطيسي الأطباء النفسيين على علاج أمراض نفسية كثيرة عن طريق العودة إلى مرحلة قبل الولادة و تحديد الأسباب التي أدت إلى هذا المرض .
ـ في بعض الحالات ، يقوم الشخص الذي يظهر ذاكرة استرجاعية بتكلّم لغات غريبة عنه و عن البيئة التي عاش فيها ، و لم يتعلّمها في حياته .
ـ في حالات كثيرة ، يقوم الشخص بتذكّر تفاصيل دقيقة عن حياة سابقة أدهشت الباحثين بعد أن تحققوا من مدى صحتها على أرض الواقع .
في الخمسينات من القرن الماضي ، لاقت ظاهرة الذاكرة الاسترجاعية القبول بين جهات علمية كثيرة ، لأنها أثبتت واقعيتها و دورها في مساعدة المرضى على الشفاء من الحالات النفسية المختلفة . و قد أثبت هذه الحقيقة أطباء معروفين بأنهم كانوا متشككين في البداية لكنهم اعترفوا بها فيما بعد .
ـ كتب الدكتور ” ألكسندر كانون ” ، الذي كان من المتشككين في البداية ثم بدّل رأيه فيما بعد ، قائلاً :
” لمدة سنوات طويلة ، كانت نظرية التقمص تعتبر كابوساً بالنسبة إلي . و عملت جاهداً من أجل دحضها و تكذيبها ، لكن بعد مرور السنين ، و بعد التحقيق في آلاف القضايا و الحالات المختلفة ، من ديانات مختلفة ، و شعوب مختلفة … و جب علي الاعتراف بأن ظاهرة التقمص موجودة … ” .
ـ تم الاعتراف بهذه الظاهرة من قبل الكثير من علماء النفس حول العالم ، بعد اكتشاف مدى واقعيتها . الطبيب النفسي ” جيرالد أدلستاين ” مثلاً ، علماني متشكك ، يقول :
” تعمل هذه الحالات ( العودة بالذاكرة إلى حياة سابقة ) ، و لأسباب أجهلها ، على تسريع عملية الشفاء عند المرضى النفسيين … ” .
ـ الطبيب النفسي المشهور ، الدكتور ” أديث فايور ” يقول :
” إذا تم إزالة حالة الخوف المرضي ( الفوبيا ) نهائياً من المريض ، عن طريق العودة بذاكرته إلى حياة سابقة ، هذا يعني أن الأحداث المسببة لهذا المرض النفسي قد حصلت فعلاً في حياة سابقة !.. ” .
ـ الطبيب النفسي ” جيرالد نثرتون ” ، الموصوف بتعصبه العلماني الشديد ، قام باستخدام طريقة الذاكرة الاسترجاعية لعلاج 8000 مريض نفسي . و كان متشكك جداً في البداية ، لكنه الآن مقتنع تماماً بهذه الظاهرة نتيجة تجاربه العديدة . و هناك بين مرضاه النفسيين الكثير من المتشككين ( رجال دين و فيزيائيين علمانيين ) ، لكن هذا لم يمنع هذه الوسيلة من النجاح أثناء تطبيقها عليهم !. يقول الدكتور :
” يغادر عيادتي الكثير من المرضى و هم مقتنعون بأن هذه الذاكرة الاسترجاعية هي ليست سوى مجوعة تجاربهم المتراكمة من حياتهم الحالية و ليس لها علاقة بحياة سابقة . لكن ما هو الجواب المنطقي لسبب شفائهم ؟… الجواب هو أن التقمص موجود فعلاً !. ” .
ـ الطبيب النفسي البريطاني ، الدكتور ” أرثر غيردهام ” ، يعترف بأنه كان في البداية علمانياً متطرفاً و من أشد المتشككين بهذه الظاهرة ، لكن بعد خبرته الطويلة في مجال الذاكرة الاسترجاعية ( مدة 44 عام ) ، صرّح بما يلي :
” إذا لم أعتقد بظاهرة التقمّص بعد كل الإثباتات التي تعاملت معها طوال هذه الفترة ، سوف أعتبر نفسي مختلّ عقلياً !. ” .
ـ قامت الطبيبة المتشككة ” هيلين وامباش ” بدراسة موسّعة في العام 1975م ، في سبيل التحقق من مدى صدقية هذه الظاهرة . و بعد دراسة أكثر من 10.000 حالة مختلفة ، خرجت بدلائل مدهشة تثبت حقيقة وجودها !. و علقت على هذا الاستنتاج قائلة :
” أنا لا أعتقد بظاهرة التقمص ، لكنني واثقة بأنها موجودة مئة بالمئة!