القران الكريمدينمفالاتمقالات
سبب نزول سورة الممتحنة
سبب نزول سورة الممتحنة
سورة المُمتحنة
نزلت سورة المُمتحنة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في المدينة المنوَّرة، وهي من سور المفصل، وأول سور المفصل هي سورة ق وتمتد إلى آخر المصحف، وسُمِّي مفصلًا لكثرة الفصل بين سوره بالبسملة، وتقع سورة المُمتحنة في المرتبة الستين من سور القرآن الكريم، وتحديدًا في الحزب الخامس والخمسين من الجزء الثامن والعشرين، وعدد آيات سورة المُمتحنة ثلاث عشرة آية، وقد نزلت السورة على النبي عليه الصلاة والسلام بعد نزول سورة الأحزاب، وبدأت سورة المُمتحنة بأسلوب النداء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [المُمتحنة: 1].
سورة المُمتحنة
سورة المُمتحنة
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (1) إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (2) لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (3) قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءَاؤاْ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5) لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (6) عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (7) لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآَتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10) وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآَتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (11) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآَخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ (13)
سبب نزول سورة المُمتحنة
نزلت هذه السورة في حاطب بن أبي بلتعة، وهو صحابي شهد غزوة بدر مع الرسول عليه الصلاة والسلام، وذلك لأنَّه عندما أذن الله سبحانه وتعالى للنبي صلى الله عليه وسلم بفتح بمكة بعث حاطب كتابًا مع امرأة من نساء مكة كانت في زيارة إلى المدينة المنورة يُحذّر فيه عشيرته، وأهله من جيش الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان نص الكتاب: من حاطب إلى أهل مكة إنّ رسول الله يريدكم فخذوا حذركم، وخرجت المرأة، ومعها الكتاب باتجاه مكة، وحينها نزل جبريل عليه السلام، وأوحى إلى الرسول عليه الصلاة والسلام بالأمر، وأمره بأن يرسل وراءها من يأت بالكتاب منها، فإن أعطتهم الكتاب تركوها وشأنها، وإن أبت كان لهم أن يقطعوا عنقها، ولحق بالمرأة فرسان، ومعهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وعندما وصلوها أمروها بأن تُخرج الكتاب، وأنكرت المرأة، وحلفت بالله بأنَّها لا تملك شيئًا، ولما همّ علي بن أبي طالب بالرجوع تذكّر وصية النبي عليه الصلاة والسلام، وقال: والله ما كَذَبْنَا ولاَ كُذِبْنَا وسَلَّ سيفه، وحذّرها بأنّها إن لم تُخرج الكتاب ليقطعنّ عنقها، فلما رأت المرأة منه الجدّ خافت، وأخرجت الكتاب، وعادت إلى مكة، ورجع علي بالكتاب إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، فأمر رسول الله بنداء حاطب، وسأله عن الكتاب، فاعترف حاطب بفعلته، ودافع عن نفسه بأنّ فعله كان خوفًا على أهله، وعشيرته في مكة، وليس كفرًا بالدين، وصدّقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعفا عنه.
مقاصد سورة المُمتحنة
تحدثت السورة عن مجموعة من المحاور، فاهتمت بأمور التشريع الإسلاميّ، وكذلك تحدثت عن مشاعر الحب، والبُغض في الله، وقد دعت السورة إلى وجوب التبرّؤ من الكفار وبغضهم، وعدم موالاتهم على دينهم الباطل، وأنَّ العداوة والبغضاء لا تنتهيان إلّا بدخولهم للدين الحق وتركهم للباطل، ويُبين الله سبحانه وتعالى في سورة الممتحنة وجود نوعين من الكفار، وهما: نوع يقاتل المسلمين ويعاديهم ويبغضهم، ونوع مسالمٌ لا يظهر العدواة للمسلمين، وقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى وجوب معاداة النوع الأول، والإحسان إلى النوع الثاني منهم، وضربت سورة المُمتحنة المثل في سيدنا ابراهيم عليه الصلاة والسلام إذ تبرّأ من الكفار هو ومن معه من المؤمنين، وتناولت السورة كذلك حكم المؤمنات المهاجرات، وبيَّنت كيفية التعامل معهنّ، وضرورة اختبار صدق إيمانهنّ قبل مبايعتهنّ على الدين الإسلاميّ.
فضائل سورة الممتحنة واسباب نزولها
مقصودها براءة من اقر بالايمان ممن اتسم بالعدوان دلالة على صحة مدعاة كما ان الكفار تبرءوا من المؤمنين و كذبوا بما جاءهم من الحق لئلا يكونوا على باطلهم احرص من المؤمنين على حقهم، و تسميتها بالممتحنة اوضح شيء فيها و ادلة على هذا لان الصهر اعظم الوصل و اشرفها بعد الدين، فاذا ن في و منع دل على اعظم المقاطعة لدلالتة على الامتهان بسبب الكفران الذى هو اقبح العصيان هذه السورة حلقة في سلسلة التربية الايمانية و التنظيم الاجتماعى و الدولة في المجتمع المدني. حلقة من تلك السلسلة الطويلة، او من هذا المنهج الالهى المختار للجماعة المسلمة المختارة، التي ناط بها الله تحقيق منهجة الذى يريدة للحياة الانسانية، في صورة و اقعية عملية، كيما يستقر في الارض نظاماذا معالم و حدود و شخصية متميزة؛ تبلغ الية البشرية احيانا، و تقصر عنه احيانا، و لكنها تبقي معلقة دائما بمحاولة بلوغه؛ و تبقي امامها صورة و اقعية منه، تحققت يوما في هذه الارض.
وقد اقتضي ذلك كما قلنا في اول ذلك الجزء اعدادا طويلا في خطوات و مراحل. و كانت الاحداث التي تقع في محيط هذه الجماعة، او تتعلق بها، ما دة من مواد ذلك الاعداد. ما دة مقدرة في علم الله، تقوم عليها ما دة اخرى= هي التفسير و التوضيح و التعقيب و التوجيه.
وفى مضطرب الاحداث، و في تيار الحياة المتدفق، تمت عملية بناء النفوس المختارة لتحقيق هذا المنهج الالهى في الارض. فلم تكن هنالك عزلة الا العزلة بالتصور الايمانى الجديد، و عدم خلطة باية رقع غريبة عنه في خلال التكوين النفسي لهذه الجماعة. و كانت التربية المستمرة متجهة دائما الى انشاء ذلك التصور الايمانى الخاص المميز، المنعزل بحقيقتة و طبيعتة عن التصورات السائدة في العالم كله يومذاك، و في الجزيرة العربية بصفة خاصة. اما الناس الذين ينشا ذلك التصور المتميز في نفوسهم فلم يكونوا بمعزل عن و اقع الحياة و مضطرب الاحداث، بل كانوا يصهرون في بوتقة الحوادث يوما بعد يوم، و مرة بعد مرة، و يعاد صهرهم في الامر الواحد و الخلق الواحد مرات كثيرة، و تحت مؤثرات متنوعة؛ لان الله الذى خلق هذه النفوس يعلم انها ليست كلها مما يتاثر و يستجيب و يتكيف و يستقر على ما تكيف به منذ اللمسة الاولى. و كان يعلم ان رواسب الماضي، و جواذب الميول الطبيعية، و الضعف البشري، و ملامسات الواقع، و تحكم الالف و العادة، كلها ربما تكون=معوقات قوية تغلب عوامل التربية و التوجية مرة بعد مرة. و تحتاج في مقاومتها الى التذكير المتكرر، و الصهر المتوالي.. فكانت الاحداث تتوالي كما هي منسوقة في قدر الله، و تتوالي الموعظة بها. و التحذير على ضوئها، و التوجية بهديها، مرة بعد مرة.
وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقوم في يقظة دائمة و الهام بصير، بالتقاط الاحداث و الوقائع و المناسبات في كل فرصة، و استخدامها بحكمة بالغة في بناء هذه النفوس. و الوحى و الالهام يؤيدانة و يسددانة صلى الله عليه و سلم حتى تصنع تلك الجماعة المختارة على عين الله. بتوفيق الله. على يدى رسول الله.
هذه السورة حلقة في سلسلة هذا الاعداد الطويل، تستهدف مع غيرها مما جاء في كموضوعها اقامة عالم ربانى خالص في ضمير المسلم. عالم محورة الايمان بالله و حده، يشد المسلمين الى ذلك المحور و حده، بعروة واحدة لا انفصام لها؛ و يبرئ نفوسهم من كل عصبية اخرى. عصبية للقوم او للجنس او للارض او للعشيرة او للقرابة. ليجعل في مكانها كلا عقدة واحدة. هي عقدة الايمان بالله. و الوقوف تحت راية الله. في حزب الله.
ان العالم الذى يريدة الاسلام عالم ربانى انساني. ربانى بمعنى انه يستمد كل مقوماتة من توجية الله و حكمه، و يتجة الى الله بكل شعورة و عمله. و انسانى بمعنى انه يشمل الجنس الانسانى كله في رحاب العقيدة و تذوب فيه فواصل الجنس و الوطن و اللغة و النسب. و سائر ما يميز انسانا عن انسان، عدا عقيدة الايمان. و ذلك هو العالم الرفيع اللائق ان يعيش فيه الانسان الكريم على الله، المتضمن كيانة نفحة من روح الله.
ودون اقامة ذلك العالم تقف عقبات كثيرة كانت في البيئة العربية و ما تزال في العالم كله الى اليوم عقبات من التعصب للمنزل، و التعصب للعشيرة، و التعصب للقوم، و التعصب للجنس، و التعصب للارض. كما تقف عقبات اخرى= من رغائب النفوس و اهواء القلوب، من الحرص و الشح و حب الخير للذات، و من الكبرياء الذاتية و الالتواءات النفسية.. و الوان غيرها كثير من ذوات الصدور!
وكان على الاسلام ان يعالج ذلك كله في الجماعة التي يعدها لتحقيق منهج الله في الارض في صورة عملية و اقعة. و كانت هذه الصورة حلقة في سلسلة ذلك العلاج الطويل.
وكان بعض المهاجرين الذين تركوا ديارهم و اموالهم و اهليهم في سبيل عقيدتهم، ما تزال نفوسهم مشدودة الى بعض من خلفوا هناك من ذرية و ازواج و ذوى قربى. و على الرغم من كل ما ذاقوا من العنت و الاذي في قريش فقد ظلت بعض النفوس تود لو و قعت بينهم و بين اهل مكة المحاسنة و المودة؛ وان لو انتهت هذه الخصومة القاسية التي تكلفهم قتال اهليهم و ذوى قرابتهم، و تقطع ما بينهم و بينهم من صلات!
وكان الله يريد استصفاء هذه النفوس و استخلاصها من كل هذه الوشائج، و تجريدها لدينة و عقيدتة و منهجه. و هو-سبحانه يعلم ثقل الضغط الواقع عليها من الميول الطبيعية و رواسب الجاهلية كلا و كان العرب بطبيعتهم اشد الناس احتفالا بعصبية القبيلة و العشيرة و البيت فكان ياخذهم يوما بعد يوم بعلاجة الناجع البالغ، بالاحداث و بالتعقيب على الاحداث، ليكون العلاج على مسرح الحوادث و ليكون الطرق و الحديد ساخن!
وتذكر الروايات حادثا معينا نزل فيه صدر هذه السورة. و ربما تكون=هذه الروايات صحيحة في اسباب النزول المباشر. و لكن مدي النصوص القرانية دائما ابعد من الحوادث المباشرة.
وقد قيل في ذلك الحادث: ان حاطب بن ابي بلتعة كان رجلا من المهاجرين. و كان من اهل بدر ايضا. و كان له بمكة اولاد و ما ل، و لم يكن من قريش انفسهم بل كان حليفا لعثمان. فلما عزم رسول الله صلى الله عليه و سلم على فتح مكة لما نقض اهلها عهد الحديبية امر المسلمين بالتجهيز لغزوهم، و قال: «اللهم عم عليهم خبرنا».. و اخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم جماعة من اصحابة بوجهته، كان منهم حاطب. فعمد حاطب فكتب كتابا و بعثة مع امراة مشركة قيل من مزينة جاءت المدينة تسترفد الى اهل مكة يعلمهم بعزم رسول الله صلى الله عليه و سلم على غزوهم، ليتخذ بذلك عندهم يدا. فاطلع الله تعالى رسولة على هذا استجابة لدعائه. و امضاء لقدرة في فتح مكة. فبعث في اثر المراة، فاخذ الكتاب منها.
وقد روي البخارى في المغازي، و رواة مسلم في صحيحة من حديث حصين بن عبد الرحمن، عن سعد ابن عبيدة عن ابي عبد الرحمن السلمي، عن على رضى الله عنه قال: «بعثنى رسول الله صلى الله عليه و سلم و ابا مرثد و الزبير بن العوام و كلنا فارس و قال: انطلقوا حتى تاتوا روضة خاخ، فان بها امراة من المشركين معها كتاب من حاطب بن ابي بلتعة الى المشركين. فادركناها تسير على بعير لها حيث قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلنا: الكتاب فقالت ما معى كتاب. فانخناها فالتمسنا فلم نر كتابا. فقلنا: ما كذب رسول الله صلى الله عليه و سلم لتخرجن الكتاب او لنجردنك. فلما رات الجد اهوت الى حجزتها، و هي محتجزة بكساء، فاخرجته. فانطلقنا به الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال عمر: يا رسول الله. ربما خان الله و رسولة و المؤمنين، فدعنى فلاضربن عنقه. فقال النبى صلى الله عليه و سلم: ما حملك على ما صنعت قال حاطب: و الله ما بى الا ان اكون مؤمنا بالله و رسولة صلى الله عليه و سلم اردت ان تكون=لى عند القوم يد. يدفع الله بها عن اهلى و ما لي، و ليس احد من اصحابك الا له هنالك من عشيرتة من يدفع الله به عن اهلة و ما له. فقال: صدق لا تقولوا الا خيرا. فقال عمر: انه ربما خان الله و رسولة و المؤمنين، فدعنى فلاضرب عنقه. فقال: اليس من اهل بدر فقال-: لعل الله اطلع الى اهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد و جبت لكم الجنة او ربما غفرت لكم. فدمعت عينا عمر، و قال: الله و رسولة اعلم».. و زاد البخارى في كتاب المغازي: فانزل الله السورة: يا ايها الذين امنوا لا تتخذوا عدوى و عدوكم اولياء تلقون اليهم بالمودة}.. و في رواية اخرى= ان الذين ارسلوا كانوا هم على و الزبير و المقداد.
ولوقوف قليلا امام ذلك الحادث و ما دار بشانة لا يظهر بنا عن ظلال القران و التربية به و بالاحداث و التوجيهات و التعقيبات عن طريق رسول الله صلى الله عليه و سلم القائد المربى العظيم.. و اول ما يقف الانسان امامة هو فعلة حاطب، و هو المسلم المهاجر، و ه واحد الذين اطلعهم رسول الله صلى الله عليه و سلم على سر الحملة.. و فيها ما يكشف عن منحنيات النفس البشرية العجيبة، و تعرض هذه النفس للحظات الضعف البشرى مهما بلغ من كمالها و قوتها؛ وان لا عاصم الا الله من هذه اللحظات فهو الذى يعين عليها.
ثم يقف الانسان مرة اخرى= امام عظمة الرسول صلى الله عليه و سلم و هو لا يعجل حتى يسال: «ما حملك على ما صنعت» في سعة صدر و عطف على لحظة الضعف الطارئة في نفس صاحبه، و ادراك ملهم بان الرجل ربما صدق، و من ثم يكف الصحابة عنه: «صدق لا تقولوا الا خيرا».. ليعينة و ينهضة من عثرته، فلا يطاردة بها و لا يدع احدا يطارده. بينما نجد الايمان الجاد الحاسم الجازم في شدة عمر: «انة ربما خان الله و رسولة و المؤمنين. فدعنى فلاضرب عنقه».. فعمر رضى الله عنه انما ينظر الى العثرة ذاتها فيثور لها حسة الحاسم و ايمانة الجازم. اما رسول الله صلى الله عليه و سلم فينظر اليها من اثناء ادراكة الواسع الشامل للنفس البشرية على حقيقتها، و من كل جوانبها، مع العطف الكريم الملهم الذى تنشئة المعرفة الكلية. في موقف المربى الكريم العطوف المتانى الناظر الى كل الملابسات و الظروف..
ثم يقف الانسان امام عبارات حاطب، و هو في لحظة ضعفه، و لكن تصورة لقدر الله و للاسباب الارضية هو التصور الايمانى الصحيح.. هذا حين يقول: «اردت ان تكون=لى عند القوم يد.. يدفع الله بها عن اهلى و ما لي».. فالله هو الذى يدفع، و هذه اليد لا تدفع بنفسها، انما يدفع الله بها. و يؤكد ذلك التصور في بقية جديدة و هو يقول: «وليس احد من اصحابك الا له هنالك من عشيرتة من يدفع.. الله.. به عن اهلة و ما له» فهو الله حاضر في تصوره، و هو الذى يدفع لا العشيرة. انما العشيرة اداة يدفع الله بها..
ولعل حس رسول الله الملهم ربما راعي ذلك التصور الصحيح الحى في قول الرجل، فكان ذلك من سبب قوله صلى الله عليه و سلم: «صدق. لا تقولوا الا خيرا»..
واخيرا يقف الانسان امام تقدير الله في الحادث؛ و ه وان يصير حاطب من القلة التي يعهد اليها رسول الله صلى الله عليه و سلم بسر الحملة. وان تدركة لحظة الضعف البشرى و هو من القلة المختارة. ثم يجرى قدر الله بكف ضرر هذه اللحظة عن المسلمين. كانما القصد هو كشفها فقط و علاجها ثم لا يصير من الاخرين الذين لم يعهد اليهم بالسر اعتراض على ما و قع، و لا تنفج بالقول: ها هو ذا احد من استودعوا السر خانوه، و لو اودعناة نحن ما بحنا به فلم يرد من ذلك شيء. مما يدل على ادب المسلمين مع قيادتهم، و تواضعهم في الظن بانفسهم، و اعتبارهم بما حدث لاخيهم…
والحادث متواتر الرواية. اما نزول هذه الايات فيه فه واحد روايات البخاري. و لا نستبعد صحة هذه الرواية؛ و لكن مضمون النص القراني كما قلنا ابعد مدى، و ادل على انه كان يعالج حالة نفسية اوسع من حادث حاطب الذى تواترت به الروايات، بمناسبة و قوع ذلك الحادث، على كيفية القران.
كان يعالج مشكلة الاواصر القريبة، و العصبيات الصغيرة، و حرص النفوس على ما لوفاتها الموروثة ليخرج بها من ذلك الضيق المحلى الى الافق العالمي الانساني.
وكان ينشئ في هذه النفوس صورة جديدة، و قيما جديدة، و موازين جديدة، و فكرة حديثة عن الكون و الحياة و الانسان، و وظيفة المؤمنين في الارض، و غاية الوجود الانساني.
وكان كانما يجمع هذه النبتات الصغيرة الحديثة في كنف الله؛ ليعلمهم الله و يبصرهم بحقيقة و جودهم و غايته، و ليفتح اعينهم على ما يحيط بهم من عداوات و مكر و كيد، و ليشعرهم انهم رجالة و حزبه، و انه يريد بهم امرا، و يحقق بهم قدرا. و من ثم فهم يوسمون بسمتة و يحملون شارته، و يعرفون بهذه الشارة و تلك السمة بين الاقوام كلا. في الدنيا و الاخرة. و اذن فليكونوا خالصين له، منقطعين لولايته، متجردين من كل و شيجة غير و شيجته. في عالم الشعور و عالم السلوك.
والسورة كلها في ذلك الاتجاه. حتى الايات التشريعية التنظيمية الواردة في اخرها عن معاملة المهاجرات المؤمنات، و مبايعة من يدخلن في الاسلام، و الفصل بين المؤمنات و ازواجهن من الكفار. و بين المؤمنين و زوجاتهم من الكوافر.. فكلها تنظيمات منبثقة من هذا التوجية العام.
ثم ختام السورة كما بدات بالنهى عن موالاة اعداء الله، ممن غضب عليهم الله، سواء من المشركين او من اليهود. ليتم التمييز و الانفراد و المفاصلة من كل الوشائج و الروابط غير رابطة العقيدة و غير و شيجة الايمان