قصصقصص تاريخيةقصص للأطفالقصص واقعيةمفالاتمقالاتمنوعات
قصة حمزة بن عبد المطلب
قصة حمزة بن عبد المطلب
تتوالى الأيام على مكة ، أرض الله المباركة في زخم شديد ، وحمزة شأنه شأن الكثيرين ، رجل يعيش بعيدًا كل البعد عن مشاغل مكة ومشاكلها ، فهو يحيا لنفسه فقط ، لا يفكر سوى في الحياة وملذاتها. فقد كان غنيًا ذو جاه ومال ، ولديه من القوة والسلطان ما يجعل الدنيا تنبسط تحت قدميه، فجاء الإسلام ليغيره إلى النقيض، من رجل مترف إلى رجل زاهد، لا يشغله شيئًا سوى رضى الله و محبة رسوله.
ولد حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه بمكة المكرمة، قبل الهجرة بأربع وخمسين عام ، وقد كان حمزة عم رسول الله ﷺ ، وأخوه في الرضاعة فقد أرضعتهما ثويبة مولاة أبي لهب. فقد كان سنهما متقارب ، وقد نشأ سويًا ، ونهلًا من الشمائل والقيم العربية الأصيلة. وحمزة هو خير أعمام الرسول صلّ الله عليه وسلم، لقوله صلّ الله عليه وسلم : خَيْرُ إِخْوَتِي عَلِيٌّ ، وَخَيْرُ أَعْمَامِي حَمْزَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا . كان حمزة يحب ابن أخيه حبًا جمًا، وكان يعلم أنه الصادق الأمين شأن كل قريش، فلقد نشأ معًا تحت نفس الشمس ، وفي نفس المكان ، وكان يعرفه تمام المعرفة ، بل كل حياة الرسول ﷺ ، كان شريطًا يمر أمام عينيه ، شريطًا لا يوجد به شائبة واحدة ، فمحمد ﷺ كان الكمال يمشي على الأرض .
زادت همهمة قريش حول دعوة النبي لدين جديد ، دين لا يفرق بين السادة والعبيد ، دين ينادى بحق الفقراء في أموال سادتهم ، دين لا يفرق بين رجل وأخر إلا بالتقوى ، والعمل الصالح ، وهو الأمر الذى لم يعجب سادة قريش وفتيانها ، فتربصوا بمحمد صلّ الله عليه وسلم وكادوا له المكائد . وكان حمزه يقف مترقبًا لكل تلك الأحداث التي تجري من حوله ، وبداخله صوت يخبره أن محمد هو الحق ، وكيف لا وهو صديق طفولته الذي يعرفه حق المعرفة ولكنه لم يجهر باسلامه. وفي يومٍ من الايام كان حمزة في رحلة للصيد ، وعندما عاد سمع بخبر شج رأس رسول الله ﷺ ، ولم يكد يسمع بخبر إيذاء أبا الحكم ابن هشام (أبو جهل) ، لمحمد بن أخيه حتى جن جنونه ، وثبت قوسه فوق كتفه ، منطلقًا صوب الكعبة . وهناك التقى بأبو جهل ، فتقدم إليه بهدوء شديد وأخرج القوس وشج به رأسه فأدماه ، وقبل أن يفيق الجالسون صاح حمزة في وجهه أتشتم محمدًا ، وأنا على دينه أقول ما يقول؟
لم يلتفت الجالسون لفعلة حمزة كما التفتوا لما قال، لقد كان نزول خبر اسلام حمزة عليهم كالصاعقة ، أحمزة يسلم! أعز فتيان قريش يتبع دين محمد ، هالهم الأمر كثيرًا فمحمد يجمع القوة يوما بعد يوم ، يلتف حوله الكثيرون من السادة والعبيد فأبو بكر ، وحمزة ، ومن يدري! حينما عاد حمزة إلى منزله أخذ يفكر أحقًا أسلم ؟ أصواب ما قال ، وفعل ، هو يعلم تمام العلم أن محمد لا يكذب ، ولكنه دين آبائه الذي تربى عليه ، وهنا قرر حمزة أن يذهب لملاقاة النبي عله يثلج صدره. وبالفعل هذا ما حدث لقد أخبره الرسول بدينه ، وأسمعه بضع آيات من القرآن الكريم ، فلمس القرآن قلبه ، وبكى عند سماعه ، وازن حمزة بين دين الله ، وبين دين آبائه وأجداده ، فرجحت كفة الحق جل جلاله .
خرجت قريش لملاقاة النبي ﷺ ، وصحبه في غزوة بدر ، وبدأت الموقعة عندما برز الأسود بن عبد الأسد المخزومي ، وهو رجل شرس سيء الخلق من جند قريش. وقال أعاهد الله أن أشرب من حوض المسلمين ، أو أهدمنه أو أموت في سبيل ذلك ، فخرج إليه حمزة بن عبد المطلب ، فلما التقيا ضربه حمزة ضربة أطاحت بساقه ، فأخذ يزحف للحوض حتي يفي بعهده ، فعاجله حمزة بضربة أردته قتيلاً. وبدأت المعركة بين الصحابة الكرام ، يتقدمهم حمزة أسد الله رضي الله عنه ، وبين جيش قريش ، وكان حمزة كالسيل يهجم يميناً ويساراً ، فيفتك بالمشركين فتكاً ويفزع صناديد قريش ، ويرهب فتيانهم ، وعادت قريش بالخزي والعار متوعدين لحمزة الذى أرهب صفوفهم ، وقتل منهم الكثير .
خرجت قريش على بكرة أبيها في غزوة أحد للنيل من رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، وأسده حمزة بن عبد المطلب ، جهزوا العدة ، وأعدوا العتاد حتى لا يعودوا مخلوعين القلب ، مطأطئين الرأس ، وكان سيدنا حمزة ، قتل في معركة بدر أخو هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان بن حرب. فقالت لعبد حبشي يدعى وحشي لو قتله أصبح حرًا ، وكان مشهود له بالمهارة في تصويب الرمح فهو لم يخطئ هدفًا قط . وطُلبت منه أن يجعل حمزة شغله الشغل ، مهما كان سير المعركة ووعدته بالحرية ، وهي وعد غال ونفيس؛ فقد كان الانتقام يجري في دمها ، ظلت هند قبل المعركة بأيام تراود وحشي بفكرة قتل حمزة والتخلص منه مقابل عقدها الثمين، وحريته الأكثر ثمنًا، وظلت هكذا تحاول إقناعه بكل الحيل إلى أن جاء يوم الحسم.
بدأت غزوة أحد ، وتوسط حمزة ميدان القتال ، وأخذ يضرب يمينًا ويساراً فتارة يقتل ، وتارة يتفادى القتل ، وقد كان النصر حليفه في البداية فقتل وحده ما يزيد عن ثلاثين رجلاً ، أخذ الذعر يتسلل إلى جيوش قريش فولوا هاربين. الأمر الذي غر المسلمين بنفسهم ؛ فانشغلوا بجمع الغنائم تاركين ساحة الحرب خلفهم ، فمع نزول الرماة من فوق الجبل ، واستغل المشركين الأمر ، وقلبوا المعركة رأسًا على عقب ، فأخذوا المسلمين على غفلة ، وأعملوا السيوف فيهم. وبالطبع لم يضيع وحشي تلك الفرصة ، واستغل دفاع حمزة عن اخوانه من الصحابة الكرام وأطلق حربته لتستقر بين ثنايا بطنه ، وترديه قتيلًا ، ولم يكتفي وحشي بموت سيد قريش المسلم بل مثل بجثته كما طلبت هند ، وأخرج كبده النائم بين ضلوعه ، ليشفي غليل صدر هند .
لم يندم وحشي على شيء كما ندم على قتل سيدنا حمزة بن عبد المطلب ، فبعد فتح مكة هرب إلى الطائف ، وظل يهرب ، ويهرب خوفًا من بطش رسول الله. حتى قابل أحدهما وقال له : ويحك إن رسول الله لا يقتل ، ودينه هو دين السماحة والعدل ، فتماثل وحشي بين يدى الرسول نادمًا ونطق الشهادة راجيا من الله عفوه . إلى أن جاءت الفرصة التي يكفر بها عن فعلته ؛ حينما قتل مسيلمة الكذاب ، وعدو الرسول ﷺ ، وهكذا انسدل الستار على قصة أسد الله المغوار حمزة بن عبد المطلب رفيق الرسول ﷺ وعمه الذى نصره على كل أعداء الدين.