قصصقصص تاريخيةقصص واقعيةمفالاتمقالاتمنوعات
هذه هي الإنسانية
هذه هي الإنسانية
هذه هي الإنسانية |
يروى أن الخليفة هارون الرشيد -رحمه الله- أوصى لولده الأمين بولاية العهد، ثم لأخيه المأمون من بعده.
لكن دعاة الفتنة وسعاة الشر أغروا الأمين على أن ينزع أخاه المأمون من ولاية العهد، ويجعلها لولده الذي لا يزال في المهد صبيا.
فكان هذا التصرف السخيف سببا في نشوء قتال بين الأخوين، انتهى بانتصار المأمون، وعندئذ صادر كل أملاك السيدة زبيدة بنت جعفر ـ زوجة هارون الرشيد ـ لأنها ساعدت ولدها الأمين على قتال أخيه بمال غزير وتحريض كبير.
فكتبت رسالة إلى المأمون تستعطفه، جاء فيها: كلّ ذنب يا أمير المؤمنين ـ وإن عظم ـ صغير في جنب عطفك، وكلّ زلل ـ وإن جلّ ـ حقير عند صفحك، وبعد:
فهذه رقعة الوَلْهَى التي ترجوك في الحياة لنوائب الدهر، وفي الممات لجميل الذكر، فإن رأيت أن ترحم ضعفي واستكانتي وقلّة حيلتي وتحتسب ذلك عند الله فافعل..
ثم ختمت رسالتها بقولها: وتذكّر من لو كان حيا لكان شفيعي إليك...
حقا إنها كلمة بليغة نابعة من قلب رقيق، هزّت المشاعر، وأبكت المأمون، تذكّر والده الذي كان يحترمه احتراما فاق كل التقدير.. كان لا يعصي له أمرا، ولا يخالف له رأيا، ولا يردّ له رغبة.. "تذكّر من لو كان حيا كان شفيعي إليك".. إنها كلمةٌ كانت جواز مرور إلى قلب المأمون.
كلمةٌ ضربت في صميم الإنسانية، فحثّتها على الإنطلاق من مكمنها كي تقوم بدورها في نشر مقتضياتها مما يحلو ويطيب.. وما كان للمأمون إلا أن عفا عنها، وردّ لها كلّ ما أخذ منها..
إيهِ.. هذه هي الإنسانية تتأثر وتؤثر، ولا خير فيمن لا يتأثر ولا يؤثر..
والقلوب مزارع، فازرعوا فيها الكلمة الطيبة؛ فإن لم تنبت كلها نبت بعضها.. فالكلمات تشبه المفاتيح إذا استخدمتها بشكل صحيح..